فصل: الحق التاسع: حقوق المسلمين عمومًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة **


 الحق التاسع‏:‏ حقوق المسلمين عمومًا

وهذه الحقوق كثيرة جدا‏:‏ ومنها ما ثبت في الصحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏حق المسلم على ست‏:‏ إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فاجبه، وإذا استنصحك فأنصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه‏)‏ ‏[‏ أخرجه مسلم كتاب السلام باب من حق المسلم للمسلم رد السلام ‏(‏2162‏)‏ ‏(‏5‏)‏ وأخرجه البخاري بلفظ قريب وفيه ‏(‏خمس‏)‏ بدل ست كتاب الجنائز باب الأمر باتباع الجنائز ‏(‏1240‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ ففي هذا الحديث بيان عدة حقوق بين المسلمين‏:‏ الحق الأول‏:‏ السلام‏.‏

فالسلام سنة مؤكدة وهو من أسباب تآلف المسلمين وتوادهم، كما هو مشاهد وكما يدل عليه قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم‏؟‏ أفشوا السلام بينكم‏)‏ ‏[‏ أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وإن محبة المؤمنين من الإيمان‏.‏‏.‏‏.‏‏(‏54‏)‏ ‏.‏‏]‏‏.‏ وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبدأ من لقيه بالسلام ويسلم على الصبيان إذا مر بهم‏.‏

والسنة أن يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير والراكب على الماشي ولكن إذا لم يقم بالسنة من هو أولي بها فليقم بها الآخر لئلا يضيع السلام، فإذا لم يسلم الصغير فليسلم الكبير وإذا لم يسلم القليل فليسلم الكثير ليحوز الأجر‏.‏

قال عمار بن ياسر رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏ثلاث من جمعهن فقد استكمل الإيمان‏:‏ الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار‏)‏‏.‏ وإذا كان بدء السلام سنة فإن رده فرض كفاية إذا قام به من يكفي أجزأ عن الباقين، فإذا سلم على جماعة فرد واحد منهم أجزأ عن الباقين قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏86‏]‏ الآية‏؟‏‏.‏

فلا يكفي في رد السلام أن يقول‏:‏ أهلا وسهلا فقط، لأنها ليست أحسن منه ولا مثله؛ فإذا قال‏:‏ السلام عليكم‏.‏ فليقل‏:‏ وعليكم السلام‏.‏ وإذا قال‏:‏ أهلا فليقل أهلًا مثلا بمثل‏.‏ وإن زاد تحية فهو أفضل‏.‏

الحق الثاني‏:‏ إذا دعاك فأجبه، أي إذا دعاك إلى منزله لتناول طعام أو غيره فأجبه، والإجابة إلى الدعوة سنة مؤكدة، لما فيه من جبر قلب الداعي، وجلب المودة والإلفة ويستثني من ذلك وليمة العرس، فإن أجاب فإن الإجابة إلى الدعوة إليها واجبة بشروط معروفة لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله‏)‏ ‏[‏ أخرجه مسلم كتاب النكاح باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة ‏(‏1423‏)‏ ‏(‏110‏)‏، وأخرجه البخاري بمعناه في كتاب النكاح باب من ترك الدعوة فقد عصي الله ورسوله ‏(‏5177‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

ولعل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إذا دعاك فأجبه‏)‏ يشمل حتى الدعوة لمساعدته ومعاونته فإنك مأمور بإجابته فإذا دعاك لتعينه على حمل شيء أو القائه أو نحو ذلك فإنك مأمور بمساعدته لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا‏)‏‏.‏

الحق الثالث‏:‏ إذا استنصحك فأنصحه‏:‏ يعني إذا جاء إليك يطلب نصيحتك له في شيء فأنصحه لأن هذا من الدين كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏الدين النصيحة، لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم‏)‏‏.‏

|أما إذا لم يأت إليك يطلب النصيحة فإن كان عليه ضرر أو إثم فيما سيقدم عليه وجب عليك أن تنصحه وإن لم يأت إليك، لأن هذا من إزالة الضرر والمنكر عن المسلمين، وإن كان لا ضرر عليه فيما سيفعل ولا إثم ولكنك تري أن غيره أنفع له فإنه لا يجب عليك أن تقول له شيئًا إلا أن يستنصحك فتلزم النصيحة‏.‏

الحق الرابع‏:‏ إذا عطس فحمد الله فشمته ، أي قل له‏:‏ يرحمك الله، شكرا له على حمده لربه عند العطاس أما إذا عطس ولم يحمد الله فإنه لا حق له، فلا يشمت لأنه لما لم يحمد الله كان جزاؤه أن لا يشمت‏.‏

وتشميت العاطس إذا حمد فرض، ويجب عليه الرد فيقول‏:‏ يهديكم الله ويصلح بالكم، وإذا استمر معه العطاس وشمته ثلاثا فقل له في الرابعة‏:‏ عافاك الله‏.‏ بدلا عن قولك‏:‏ يرحمك الله‏.‏

الحق الخامس‏:‏ إذا مرض فعده، وعيادة المريض زيارته وهي حق له على إخوانه المسلمين، فيجب عليهم القيام بها وكلما كان للمريض حق عليك من قرابة أو صحبة أو جوار كانت عيادته أوكد‏.‏‏.‏

والعيادة بحسب حال المرض فقد تتطلب الحال كثرة التردد إليه، وقد تتطلب الحال قلة التردد إليه، فالأولي مراعاة الأحوال، والسنة لمن عاد مريضا أن يسأله عن حاله، ويدعو له ويفتح له باب الفرج والرجاء، فإن ذلك من أكبر أسباب الصحة والشفاء وينبغي أن يذكره التوبة بأسلوب لا يروعه، فيقول له مثلًا‏:‏ إنك في مرضك هذا تكسب خيرًا، فإن المرض يكفر الله الخطايا ويمحو به السيئات، ولعلك تكسب بانحباسك أجرًا كثيرًا بكثرة الذكر والاستغفار والدعاء‏.‏

الحق السادس‏:‏ إذا مات فاتبعه‏:‏ فاتباع الجنائز من حقوق المسلم على أخيه‏,‏ وفيه أجر كبير، فقد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏من تبع الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان‏)‏ وقيل‏:‏ ما القيراطان‏؟‏ قال‏:‏ مثل الجبلين العظيمين‏)‏‏.‏

سابعًا‏:‏ ومن حقوق المسلم على المسلم كف الأذى عنه، فإن في أذية المسلمين إثما عظيمًا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏58‏]‏‏.‏ والغالب أن من تسلط على أخيه بأذية فإن الله ينتقم منه في الدنيا قبل الآخرة، وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري مختصرا كتاب الأدب باب ما ينهي عن التحاسد والتدابر ‏(‏6065‏)‏ وفي باب الهجرة ‏(‏6067‏)‏ ومسلم كتاب البر والصلة والآداب باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ‏(‏2564‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

وحقوق المسلم على المسلم كثيرة، ولكن يمكن أن يكون المعني الجامع لها قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏المسلم أخو المسلم‏)‏ فإنه متى قام بمقتضى هذه الإخوة اجتهد أن يتحرى له الخير كله وأن يجتنب كل ما يضره‏.‏